التاريخ : 2020-10-01
نيران صديقة دولة الرئيس الجديد
ماهر ابو طير
لم تعد لعبة الأسماء مهمة في الأردن، الا في سياق اجتماعي، يعتبر من جاء رئيس حكومة، محظوظا، هو وعائلته، من حيث المكانة واللقب، والنفوذ، والتكريم، والتكريس.
لكن كل مرة يحدث ذات المشهد، تحترق سمعة كل رئيس حكومة، بسبب الأخطاء والأزمات، واذا كان الدكتور عمر الرزاز الذي جاء بعد حكومة هاني الملقي، محظوظا بالمعنى الشعبي كونه جاء بعد ازمة مظاهرات واحتجاجات، الا ان سوء الحظ لاحق حكومته، وما جاءت به كورونا، من أزمات عاصفة ضربت العالم، وضربت حكومته، دون ان ننكر هنا وقوع أخطاء في المشهد، لكنه لو لم يكن موجودا، وكان غيره، لما اختلف المشهد كثيرا، وليس في هذا الكلام، ابراء لذمة الرئيس، بقدر الكلام فعليا، عن الورثة الثقيلة التي بات يحملها أي رئيس.
حين نقرأ أن إجمالي دين الحكومة أرتفع في النصف الأول من العام الحالي إلى 32.06 مليار دينار أو ما نسبته 101.8% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر حتى حزيران من عام 2020، شاملا مديونية كل من شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه التي تبلغ نحو 6.7 مليار دينار، وتعود الى ارقام الحكومات التي سبقت حكومته، تكتشف ان الدين يرتفع سنويا، والعجز أيضا يزداد، مثلما ان كل الحلول اليوم باتت متاحة بين مسربين، مزيد من القروض التي سوف تتراكم علينا، او مزيد من الضرائب او الرسوم التي ستأتينا على الطريق.
معنى الكلام، ان كثرة تتبع الاخبار، حول المحظوظ الذي سيأتينا رئيسا للحكومة، لم تعد مجدية ابدا، اذ ان المهمات المستحيلة التي تنتظر أي حكومة، تجعل الذين يدركون المشهد يقرون ويعترفون انه ما من مسرة هنا، ولا حتى بهجة اجتماعية، لا من حيث المكانة او اللقب، او النفوذ او التكريم او التكريس، فالاحتفاء بالرئيس الجديد يستمر لعدة أسابيع ثم تبدأ الازمات الاقتصادية، والاجتماعية، ويبدأ رصيد أي رئيس بالتبدد والاحتراق تدريجيا، ونادرا ما يخرج رئيس حكومة من موقعه سالما، دون اتهامات، او تسريب معلومات صحيحة او كاذبة ضده، من اجل تدمير سمعته، وهو بين حجري طاحونة، الشعبية التي لا يمكن لها ان تتأسس في ظل ظروف سيئة، وانقلاب الناس عليه، او حتى دفعه لكلفة فاتورة التطاحن السياسي، وتحريض السياسيين وغيرهم عليه، بوسائل مختلفة، فوق ما تأتيه به الأيام من قرارات ثقيلة وصعبة.
هذا يأخذنا الى الاستنتاج الأهم، أي ان أزمات الأردن اليوم، باتت معقدة، ولا يمكن حلها بهذا الرئيس او ذاك، دون تصور او برنامج، وقد قيل هذا الكلام الاف المرات، لكن لا احد يسمع، والكل يدير المشهد على أساس الانطباع الشخصي، والاحتفاء الاجتماعي، الحب والكراهية، لكن قلة تناقشك في ملف الدين الكبير وكيف ستتعامل معه الحكومة المقبلة، وملف مصداقية الانتخابات ورفع نسب التصويت ورضا الناس عن النواب، وملفات مثل الفقر والبطالة، وعلاقات الأردن العربية والإقليمية، وملف القضية الفلسطينية، وملف وباء كورونا الذي يهدد حياتنا صحيا واجتماعيا واقتصاديا، وهو ملف مؤهل أن يترك ضررا اعلى علينا خلال الشهور المقبلة، مقارنة بكل الاضرار التي لمسناها خلال الشهور القليلة الماضية.
ليس من مصلحتنا هذه الأيام ان يأتينا مجرد اسم له مكانته، وندخل في ذات عملية الاحتفاء، او النقد، ونتورط بذات اليات التبشير ثم التنفير لاحقا، اذ حجم الازمات ومضاعفاتها يجعلنا نسأل حتى قبل معرفة اسم الرئيس، عما سيفعله غير الإدارة اليومية لشؤون حكومته، وماذا لديه، وهل استعد قبل التكليف العلني، وهل عنوانه الأساس سيكون الاستسلام لأزماتنا وتبريد نيرانها، ام ان هناك تصورا مختلفا، يجعلنا نخرج من ذات حزمة الادوية المرة التي شربناها على مدى سنين، فيما دول أخرى في هذا العالم، قاومت بكل قوة، وخرجت من حالة الاستلاب، ووضعت برنامجا ونفذته، في وجه الازمات القابلة للزيادة.
لا تسألوا كثيرا عن اسم الرئيس، وعليه هو قبل ان نعرفه ان يجهز نفسه للإجابة عن سؤال واحد حتى قبل مهلة المائة يوم التقليدية، ماذا لديك أيها الرئيس؟
وليعذرنا الرئيس المقبل، على الهجمة المبكرة، فهي مجرد نيران صديقة.
الغد